Image Background

اخترنا لك

Damsel - التنين والآنسة التي لم تعد في محنة

اخترنا لك: أفلام


Damsel - التنين والآنسة التي لم تعد في محنة
لؤي وتد

يبث فيلم "آنسة" حياة جديدة في أساطير وكلاسيكيات الفرسان والأميرات والتنانين، ويُقدم لمسة منعشة تتحدى مجازيات القصص الشعبية التقليدية. بقيادة بطلة نيتفليكس الشهيرة ميلي بوبي براون (Stranger Things, Enola Holmes)، يأسر هذا الفيلم الأنظار بخياراته السردية الجديدة وبناء العالم الغني فيه.
في جوهره، يقلب فيلم "آنسة" فكرة وجود فتاة في محنة تنتظر الأمير لإنقاذها. بدلاً عن ذلك، يتتبع الفيلم قصة إيلودي (ميلي بوبي براون)، وهي شابة شجاعة وواسعة الحيلة تجد نفسها في موقف محفوف بالمخاطر بعد قبول عرض زواج، تم تدبيره على يدي والدها للحصول على مهرها. يستكشف الفيلم ببراعة موضوعات الوكالة النسائية الشابة والتمكين بينما تواجه إيلودي المكائد الشريرة لأولئك الذين يسعون إلى استغلالها.

مفهوم "الفتاة في محنة" ("Damsel in Distress") كان راسخًا منذ فترة طويلة في الفولكلور والأدب التقليدي، حيث يصور النساء كشخصيات عاجزة تحتاج إلى إنقاذ الرجال، فُرسانًا وأمراء. يديم هذا المجاز الأدوار الجندرية التي عفا عليها الزمن ويعزز فكرة أن المرأة خاملة بدلاً من كونها مشاركة نشطة وصاحبة وكالة في رواياتها الخاصة. ومع ذلك، في رواية القصص الحديثة، هناك تحول ملحوظ بعيدًا عن هذا النموذج الأصلاني. تتحدى شخصيات مثل إيلودي مفهوم الخمول النسائي، وتعرض بطلات يتمتعن بالمرونة والوكالة والقادرات تمامًا على تشكيل مصائرهن. من خلال تقويض مفهوم "الفتاة في محنة" التقليدي، يحث الجماهير أيضًا على إعادة النظر في الأدوار والتوقعات الملقاة على عاتقهم في كل من الخيال والواقع. طبعًا هذا التقويض المفاهيمي ليس جديدا على ثقافة الأطفال، بل شاهدناه سابقًا في أدب الأطفال في قصص مميزة مثل "الأميرة ذات الرداء الورقي" (The Paper Bag Princess) وPrincess Smartypants. وكذلك في سينما الأطفال المصوّرة مثل في فيلم "رالف المدمّر" و"تشارمينـﭺ".

ما يميز "آنسة" هو طريقة تعامل البطلة مع التنين، الذي يتم تصويره عادةً على أنه خصم مخيف. هنا، نتعرف إلى تنينة أم، توقّع معاهدة هدنة مع المملكة، على أن يقدّم لها الملك في كل عام أميرة من ذات دم ملكي، تكفيرًا عن قتله لصغارها التنانين. هكذا يتحوّل مفهوم القربان للتنين لذي منطق تقليدي من التكفير عن الذنوب، ولكن في فيلم "آنسة"، نجد الملكة تتحايل على التنينة من خلال تقديمها لفتيات غريبات كقرابين بخدعة زواجهن من الأمير قبل التضحية بهن، ليحملن الدم الملكي. بلورة مفهوم وسيرورة نجاة إيلودي من التنينة، تعرض لنا كذلك اكتشافها لعشرات الضحايا التي سبقتها في محاولة تحدّي المصير أمام التنينة. هكذا تكتشف مثلا، أن الأميرات القرابين لم يكنّ من إثنية واحدة، فمنهن الشرقيات (زينب، فاطمة) ومنهن الغربيات (فيكتوريا، بياتريس). وكأن هذا المشهد يأتي ليعرض نقدًا لاذعًا لشمولية مفهوم "الفتاة في محنة" وكونه عابرًا للقارات والثقافات وحتى الفترات التاريخية (إدعاء تتحداه فاطمة المرنيسي في كتابها "شهرزاد ترحل إلى الغرب"). بالإضافة، نذكر أن اختيار عنونة الفيلم بالإنجليزية "Damsel"، ترمز مباشرة لهذا السياق. لا تزال كلمة "Damsel" (آنسة) مستخدمة في اللغة الإنجليزية المعاصرة، لكنها بشكل ملحوظ أقل شيوعًا مما كانت عليه في القرون السابقة. وعمومًا، فإنها تشير عادةً إلى امرأة شابة غير متزوجة، خاصة تلك ذات المولد النبيل أو المكانة الاجتماعية العالية. نظرًا لارتباطها التاريخي بمجاز مفهوم "Damsel in Distress" (الفتاة في محنة) من الأدب الكلاسيكي والفولكلور، فإنها غالبًا ما تحمل دلالات الضعف أو الحاجة إلى الإنقاذ.

فكرة أخرى يعرضها الفيلم بطريقة ممتازة، هي قدرة إيلودي على توظيف أدنى ما لديها لصالحها كأداة وكالية. فمثلًا نجدها تصل وكر التنينة من غير أي شيء سوى فستانها التقليدي، فتبدأ بتمزيق قطع منه لتوظّفها كأشرطة وكحبال وحتى كأسلحة. هذا إلى جانب توظيف البيئة المحيطة بها في وكر التنينة، لتكشف لنا بدائل عن أسلحة الفرسان ودروعهم. وبخلاف الفرسان في القصص التقليدية، إيلودي لا تدّعي البطولة ولا القدرات الخارقة، فهي بشرية، وتبكي عند الألم وتصرخ عندما تقع وتجرح، وأي من ذلك لا يعرض ضعفها كما هو متّبع في قصص الفرسان، بل يمثّل واقعيتها وحقيقة كيانها كمُقاتلة.
مع تقدّم الفيلم تصبح التنينة رمزًا للمرونة وإمكانية التفاهم حال كشف ديناميكيات القوى والاحتيال عند البشر، وتتحدى تصورات الجمهور المسبقة حول حيوانية وغرائزية التنين، لتوجيه أصابع الاتهام نحو امكانية غدر البشر. من خلال تفاعلات إيلودي مع التنينة، نشهد استكشافًا مؤثرًا للتعاطف والتفاهم، ما يؤكد رسالة الفيلم المتمثلة في التعاون والاحترام المتبادل كبديل للجشع والغدر.

بينما يتعمق "آنسة" في أُطر قاتمة وسوداوية للطبيعة البشرية، فإنه يحافظ على حس المغامرة والعجائبية التي تأسر الجماهير الصغيرة. تُقدم ميلي بوبي براون أداءً متميزًا، إذ تغرس في إيلودي مزيجًا من الإصرار والضعف، ما يجعل رحلتها أكثر إقناعًا وأسهل للتعاطف والتماهي معها. فيلم "آنسة" الصادر في شهر المرأة، وبشكل خاصّ في يوم المرأة العالمي (8 آذار) يدافع في النهاية عن روح المرونة والشجاعة في مواجهة الشدائد مُتحّديًا أحد أقدم وأشرس المفاهيم الثقافيّة، هو مفهوم "الفتاة في محنة". إنه يشجع المشاهدين على التشكيك في الأعراف المجتمعية واحتضان وكالتهم الخاصة، ما يجعلها مشاهدة مثيرة ومحفّزة للتفكير وتمكينية للجماهير من جميع الأعمار.

الفيلم متوفّر على منصة نيتفليكس (Netflix) التي تصنفه لأجيال 12 عامًا وما فوق.

نقد لاذع لمفهوم "الفتاة في محنة" Damsel in Distress
  • التاريخ: 23/03/2024
  • كلمات مفتاحية: أفلام